قطاع التربية استنفد ثقافة الترقيع
بن بوزيد فشل في الأخذ بيد المنظومة التربوية إلى بر الأمان انطلاقا من مشروع الإصلاح، سواء من حيث المنهج والمضمون، الذي مازال محل نقد بناء، أو استقرار الإطار التربوي المنشغل بخوض معارك "كرامة" لا تنتهي مع الإدارة منذ أكثر من عشرية، ولم يقولوا بعد كلمتهم في الراهن التربوي، ويبدو أن الوزير لا يتلمس خيطا رفيعا ينهي نسجه الجميل لعلاقته مع باقي فعاليات الأسرة، وإنما مازال يبحث عن الإبرة والخيط.
الوزير، قال نهاية الموسم الدراسي المنصرم وبتفاؤل وثقة في النفس، إنه يسعى للتوصل الى عقد تربوي مع كافة مكونات الأسرة التربوية، على غرار العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي، وأنه لن يتخذ قرارا إلا بعد استشارة الجميع، وخاصة النقابات الناشطة في قطاع التربية، ليتفاجأ الجميع بمراجعة توظيف الحجم الساعي في الابتدائي، وبالمقابل تشكل النقابات في جبهة اجتماعية واحدة، رغم مناورات كسر الصفوف، وشل المؤسسات التربوية الى حين.
مراجعة الحجم الساعي والشروع في تطبيقه مباشرة مع الدخول المدرسي، الذي كان محل انتقاد شديد من جميع الأطراف، لأنه لم يكن ناضجا ولم يكن وليد استشارة، وإعداد الكفاءات اللازمة لتطبيقه، ولو بإعادة تكوين قاعدي بسيط يربط المعلم بالتخصصات "اللاصفية" المفروضة في العملية، لم يختلف عن عملية برمجة الدراسة عن طريق المقاربة بالكفاءات في الثانوي "الهامة والناجعة"، التي جاءت بشكل فجائي، ولم يهيأ العنصر البشري المكلف بأدائه قبلا، ما جعله تائها، كل يدرس حسب اجتهاده، ليجمد أو يلغى فيما بعد، ولم يختلف أيضا عن برمجة إجبارية التعليم التحضيري ابتداء من 2008 وتم ذلك عبر برمامج الحكومة آنذاك، ليعوض تقليص مرحلة الابتدائي الى 5 سنوات، لكن لاشيء من ذلك حدث، رغم ما رافقه من حملة إعلامية وتربوية وتكوينية، لأن الأمور تتم بتسرع وعن طريق عملية نقل حرفية وعمياء لتجارب نجحت هنا وهناك في الخارج.
الوزير، وفي سياق متزامن، أضاف إلى كل هذه المعضلات وعورات المنظومة التربوية المزمنة، حديثا آخر أكثر مرارة، حين قال منذ شهرين عبر الإذاعة إن أزمة ملف الخدمات الاجتماعية مطروح منذ 20 سنة، ما يعني أن مصالح الوزارة غير مؤهلة للتفاوض بعد ارتفاع سقف اللغة، المستوى والمطالب المطروحة، أو أنها كانت غير جادة في مناقشة الملف مع نقابات القطاع طيلة هذه المدة، شأنها شأن المطالب الأساسية المرفوعة منذ 2002، وهو ما أكده رئيس المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، وكانت تراهن على عامل الزمن، أو ربما كانت تترقب الى غاية نضج النقابات الوليدة وانتزاعها لثقة المجتمع بكل مؤسساته، وفي انتظار ذلك، كان خيار التسويف، التهديد، تكسير الحركات الاحتجاجية، ومحاولة إقناعها بالفتات، مناورات لابد منها لربح الوقت.
الوقوف عند محطات المواجهة المفتوحة، يوضح أن الأمر خارج عن نطاق الوزير ومصالحه، وأن الملف المهني والاجتماعي للأسرة التربوية في حاجة الى قرار سياسي، شأنه شأن الملف البيداغوجي، وفي حاجة إلى إعادة إخراج مسودات أوراق الإصلاح وتسليط الضوء على ترتيب العامل البشري في التجربة الأم ورقمه في المعادلة التربوية والتأسيس لمواطن الغد، لأن الأمر متكامل، وحين ذاك يصلح ما أفسده الإقصاء والتهميش وتنتهي ثقافة الترقيع.
منقول من جريدة الشروق