لمع نجم رئيس الوزراء التركي
رجب طيب أردوغان في العالم العربي لما يبديه من استعداد لمواجهة اسرائيل ليفوق
بريقه حتى زعماء المنطقة الذين حظي خطابهم العنيف بشعبية لكنه لم يحقق الكثير
للفلسطينيين.
وجاء دعم تركيا لقافلة
مساعدات لغزة اقتحمتها اسرائيل واستدعاء السفير التركي وإلغاء تدريبات عسكرية
مشتركة مع الدولة اليهودية ليحول أردوغان الى بطل شعبي يذكر اسمه في التجمعات
الحاشدة ويسمى الرضع باسمه تكريما له.
وقال هادي عمرو مدير مركز
معهد بروكينجز بالدوحة "كان هذا نشاطا من أنشطة المجتمع المدني غير الحكومي
أيده وتبناه زعيم سياسي. هذا شيء نادر جدا في العالم العربي.
"إنه نهج مختلف
تماما... من الواضح أن هذا أعطى لأردوغان أهمية في العالم العربي. رفع هذا مكانته
على الساحة الدولية على الرغم من أنني متأكد أنه أغضب واشنطن".
ودفع اقتحام اسرائيل سفينة
تركية وقتل تسعة أتراك العلاقات بين اسرائيل وأنقرة الى أدنى مستوياتها منذ عقدت
الدولتان شراكة استراتيجية في التسعينات وأثار انتقادات عنيفة من الزعيم التركي.
لكن الأهم بالنسبة للكثير من
العرب أن الهجوم على قافلة المساعدات فيما يبدو وجه انتباه العالم لمعاناة
الفلسطينيين في غزة الذي واجه النشطاء العرب في بعض الأحيان صعوبة في استقطابه
سواء من خلال العمليات االقتالية أو الدبلوماسية العربية الرصينة.
كما دفعت الأزمة مصر الى
تخفيف إغلاقها للحدود مع غزة بفتحها جزئيا ربما لأجل غير مسمى لتوفير الإغاثة.
وكانت القاهرة قد رفضت فتحها بالكامل لأنها لا تريد حمل عبء تأمين غزة على كتفيها.
وخلال تجمع حاشد في بيروت
لوح آلاف اللبنانيين بالأعلام التركية ووضعوا تسعة نعوش ملفوفة بالعلم الأحمر
تكريما لقتلى القافلة الأتراك.
وردد المحتجون هتافا قائلين
"يا الله يا رحمن احفظ لنا اردوغان" مستخدمين لغة يقتصر استخدامها على
السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله الذي أشاد بموقف اردوغان.
وفي مصر وصف أحد المصريين
أردوغان بأنه "خليفة المسلمين" في تعليقات نشرت على موقعها على
الإنترنت.
وازدادت شعبية أردوغان الى
درجة أنه في غزة تم إطلاق اسمه على طفل واحد على الأقل حديث المولد. وفي ايران
التي كان رئيسها قد قال إنه يجب محو اسرائيل من على الخريطة يتطلع بعض الإيرانيين
الى زعيم مثل اردوغان.
وقال علي صادري "35
عاما" وهو مهندس معماري إيراني ""الرئيس محمود" احمدي نجاد
عزل ايران بخطابه القاسي المناهض للغرب. لكن انظر الى أردوغان يستخدم أساليب
متحضرة ليقوم بما هو في صالح أمته دون المساومة على القيم الإسلامية".
ونادرا ما فوت احمدي نجاد
فرصة لتوبيخ الغرب لمحاولته وقف تقدم ايران النووي لكن منتقدين يقولون إن خطابه
المناهض للغرب وموقفه الذي لا يلين من المسألة النووية عزلا ايران.
ويظهر أردوغان معارضة أقل
تهديدا لإسرائيل من زعماء مثل احمدي نجاد ونصر الله وهو يقدم بذلك طريقا جديدا
للعرب الغاضبين من عدم تحرك الدول العربية الموالية للغرب والذين لا يدعمون ايضا
المواقف الأكثر تطرفا.
وقال أسامة صفا رئيس المركز
اللبناني للدراسات السياسية "أميل الى الاعتقاد بأن من السابق لأوانه بالنسبة
له أن يصبح البديل للزعماء ولا أعتقد أن الزعماء مثل نصر الله أفلسوا. ليسوا في
حاجة الى بديل.
"لكن ما أعتقد أنه يحل
محله هو الدور الغائب لزعماء الدول العربية خاصة المعتدلين".
وسعت تركيا العضو المسلم
الوحيد بحلف شمال الأطلسي والمرشحة للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي الى تحسين
مكانتها الدولية فقامت بالوساطة في قضايا من العلاقات بين أفغانستان وباكستان الى
البرنامج النووي الإيراني.
وعقدت اسرائيل وسوريا أربع
جولات من محادثات السلام غير المباشرة بوساطة تركية عام 2008 قبل تعليقها بعد حملة
عسكرية اسرائيلية على غزة. ومنذ ذلك الحين تدهورت العلاقات الإسرائيلية التركية
لأن اردوغان بدأ يدافع عن القضية الفلسطينية.
وتحرص تركيا التي فقدت
سيطرتها الإمبريالية العثمانية على المنطقة قبل قرن مضى على استعادة النفوذ بين
جيرانها المسلمين. وتقدم نفسها للاتحاد الأوروبي الذي تسعى الى الانضمام اليه على
أنها جسر مهم بين أوروبا والشرق الأوسط.
غير أن ثمن دعم اردوغان لغزة
هو استبعاد تركيا المرجح كوسيط محتمل مع اسرائيل على الأقل ما دامت الحكومة
الإسرائيلية الحالية في الحكم. وكان هذا دورا يثمنه كثيرون في واشنطن.
وقال عز الدين شكري فشير من
الجامعة الأمريكية بالقاهرة "المكانة التي احتلتها تركيا والميزة والأفضلية
التي تمتعت بها هي قدرتها على جمع أطراف مثل حركة المقاومة الإسلامية
"حماس" واسرائيل. انتهى هذا".
وأضاف "خسرت المنطقة
وسيطا لأن تركيا بصفتها السابقة كانت تستطيع ولعبت دور الوسيط بين العرب
والإسرائيليين. في الوقت نفسه كسب المعسكر العربي لاعبا آخر بكل التعقيدات التي
يستتبعها هذا".
وقد يحرج موقف تركيا بعض
الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة مثل مصر التي تجنبت مواجهة اسرائيل
على الرغم من المطالب الشعبية بهذا واتخذت في بعض الأحيان إجراءات صارمة في مواجهة
الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين.
ويقول محللون إن من المرجح
أن تدوم شعبية اردوغان في المنطقة على الرغم من أنه لم يتضح بعد ما اذا كانت الدول
العربية ستحذو حذوه ويتشكك بعض المواطنين العرب في هذا.
وقالت محاسن عبده وهي مصرية
"الكل يعلم أن زعماءنا باعوا البلد ولا يحركون إصبعا لمساعدة اي أحد سواء
داخلها او خارجها... يبذل آخرون جهدا اكبر من أجل الفلسطينيين".