إذاكانت الغاية من إنشاء المنظمات النقابية هو الدفاع عن المصالح المادية و المعنويةللعمال، فإن تحقيق ذلك الهدف يفترض تواجد تلك المنظمات في أماكن العمل، و الؤسسة هيالميدان الوحيد الذي يتواجد فيه العمال- و الذي أسست النقابة للدفاع عن مصالحه- وصاحب العمل، أي توجد به مصلحتين متعارضتين، يحاول المستخدم دائما تغليب مصلحته علىمصلحة العامل (الطرف الضعيف في العقد) .
لكل ذلك ، و لتمثيل أفضل للعمال عن طريقالتعرف على ظروف عملهم بصفة عامة سمح المشرع للمنظمات النقابية إنشاء هياكل نقابيةو تعيين مندوبين نقابيين، فهل يمكن لأي منظمة نقابية أن تنشئ تلك الهياكل، أم أنهذه الأخيرة من إختصاص نوع خاص من المنظمات؟ في هذه الحالة ماهي الشروط الواجبتوافرها حتى ينشئ الهيكل النقابي و يتم تعيين المندوبين النقابيين؟ و ما هي صلاحياتكل واحد منهما ؟
للإجابة عن هذه التساؤلات نتطرق في مطلب أول إلى الهياكلالنقابية و في مطلب ثان إلى المندوبين النقابيين :
المطلب الأول : الأحكام المتعلقة بالهياكل النقابية .
طبقا للمادة 40 من القانون 90/14 فإنه "يمكن لأيمنظمة نقابية تمثيلية حسب مفهوم المادتين 34
و 35 من هذا القانون أن تنشىءهيكلا نقابيا طبقا لقانونها الأساسي لضمان تمثيل المصالح المادية
و المعنويةلأعضائها في أي مؤسسة عمومية أو خاصة، و في أماكن عملهم المتميزة إذا كانت لهاأماكن عمل أو أي مؤسسة أو هيئة أو إدارة عمومية" .
من خلال هذا النص يتضح لنا أنالمشرع الجزائري يعترف بممارسة الحق النقابي في كل المؤسسات سواء كانت عمومية أوخاصة ، و ذلك في إطار إحترام الحقوق و الحريات المقررة قانونا لضمان تمثيل المصالحالمادية و المعنوية لأعضاء النقابة ، فروح القانون هنا لا تهدف إلى خلق نقابة جديدةداخل المؤسسة أو الفرع و إنما إلى تمديد جذور النقابة إلى أعماق المؤسسة فتصبحمشكلة و ممثلة على مستوى كل فرع منها و حتى في أماكن العمل المتميزة، و لذلك يعتبرهذا الهيكل النقابي تجمع فعلي .
في الواقع فإن توافر الهيكل النقابي في المؤسسةضروري في أغلب الأحيان إذ وحده فقط يبرر تعيين المندوبين النقابيين، و ترتكز عليهالحريات النقابية المقررة قانونا كالحرية في التعبير (1) .
ممارسة الحق النقابيداخل المؤسسة يجب أن يكون في إطار الشروط القانونية لا سيما تلك المتعلقة بتأسيسالهياكل النقابية، ففي ماذا تتمثل تلك الشروط و هل صلاحيات الهيكل النقابي تختلف عنصلاحيات المنظمة النقابية المنبثق عنها ؟ .
الفرع الأول : شروط تأسيس الهيكلالنقابي .
تشجيعا لإنشاء الهياكل النقابية داخل المؤسسات فإن الشروط الواجبتوافرها خفضت إلى أقصى حد إذ لم ينص المشرع على أي شرط شكلي، و إكتفى ببعض الشروطالموضوعية التي بتواجدها يكون الهيكل مؤسس قانونا .
أولا : الشروط الموضوعية .
بقراءة نص المادة 40 المذكور سلفا يتجلى لنا أن الشروط الموضوعية الواجبتوافرها لإنشاء هيكل نقابي هي كون المنظمة النقابية تمثيلية و كون المؤسسة عموميةأو خاصة و حتى في أماكن العمل المتميزة و ذلك بغض النظر عن عدد العمال الذين يعملونبها .
1- شرط التمثيلية:
إنشاء هيكل نقابي هو إمتياز ممنوح فقط للمنظماتالنقابية التمثيلية دون غيرها و المقصود بالمنظمات النقابية التمثيلية هنا، كماسبقت الإشارة إليه، كل المنظمات النقابية للعمال الأجراء المستخدمين المكونة قانونامنذ 6 أشهر على الأقل، و التي تضم 20 % على الأقل من العدد الكلي للعمال الأجراء أولتلك التي لها تمثيل 20 % على الأقل من العدد الكلي للعمال الأجراء أو لتلك التيلها تمثيل 20 % على الأقل في لجنة المشاركة. كما تعتبر تمثيلية كذلك على الصعيدالبلدي والمشترك
بين الولايات ، أو الوطني ال إتحادات و ال إتحاديات أو الكنفدراليات ل لعمال الأجراء التي تضم 20 % على الأقل من المنظمات النقابيةالتمثيلية التي تشملها القوانين الأساسية للإتحادات المذكورة .
ـــــــــ
(1) أنظر ص 573 من مرجع DALLOZ السالف الذكر .
2 – الشروط المتعلقة بالمؤسسة :
إن الهيكل النقابي ينشئ في أية مؤسسة بغض النظر عن طبيعة نشاطها: سواء كانتتجارية، فلاحية أو صناعية… و بغض النظر عن طبيعتها القانونية : شركة تجارية،مدنية أ و تجمع صناعي، مؤسسات عمومية…
و إضافة إلى كون ممارسة الحق النقابييكون داخل المؤسسة ، فإن المشرع مدد ممارسة هذا الحق حتى داخل أماكن العملالمتميزة، فمادا يعني بهذه الأخيرة ؟
إن التشريع الجزائري ، كغيره من التشريعاتالأخرى لم يتطرق إلى تعريف مكان العمل المتميز لكن الفقه الفرنسي حاول ذلك معتبراإياه تجمع ا للوسائل المادية و الغير المادية لغرض الوصول، عن طريق نشاط مستمر ،إلى تحقيق هدف ذو طبيعة تقنية، و هناك من عرفه بأنه المكان الذي تمارس فيه سلطةإبرام العقود و التسريح عن العمل مع إمكانية توقيع الوثائق ، و لقد ذهب البعض إلىإعتباره هيئة تقنية للإنتاج بينما المؤسسة هي هيئة إقتصادية له (2) إن هذا المفهومجد واسع إذ لم يضع معيار محدد لتعريف مكان العمل المتميز.
و بإعتبار الفقه لميستطع وضع تعريفا شاملا واضحا لمكان العمل المتميز فإننا نحاول اللجوء إلى وجهاتنظر القضاء .
و نظرا لكون الإجتهاد القضائي الجزائري لم يتناول هذه المسألةفإننا نتطرق إلى الإجتهاد القضائي الفرنسي الذي حاول أن يعطي عدة معايير للتعرف علىمكان العمل المتميز.
ففي قرارها الصادر بتاريخ 09/05/1989 فإن محكمة النقضالفرنسية ذهبت إلى أنه يجب على القضاة، لتعيين المندوبين النقابيين في أماكن العملالمتميزة أن يأخذوا بعين الإعتبار لتحديد هذه الأخيرة: ظروف العمل، أهمية عددالعمال و إستقلالية المكان بالنسبة للمؤسسة (3) .
و في قرار آخر ذهبت إلى أنهيمكن أن يعتبر كمكان عمل متميز لتعيين المندوبين النقابيين الورشات المتواجدة خارجالمؤسسة و التي تتمتع بنوع من الإستقرار و كون أغلبية عمالها مرتبطين معها بعقودعمل غير محددة المدة،
و كون مسؤولي تلك المؤسسات يتمتعون بسلطات واسعة، و ذلكبكون الأجور تحدد هنا من قبل المديرية العامة