الكثير اليوم يسعى إلى طرح موضوع الأسانذة والقضايا التي ستحل بالمواطنين وعدم القيام بالمهمات الموكلة إليهم، والكثير يلقي اللائمة على الأسانذة، وأنَّ هذه السياسة تقوم بالإضرار بالشأن العام، وأن الحكومة ليس لديها القدرة للإنفاق العام على هذه الزيادات المستحقة للأسانذة تارة، وتقزيم موضوعهم بالمطالبة بعشر دنانير أو عشرين ديناراً هناك لموظفين فقراء، أو أن هذا سلوك غير مسؤول ولا يتحلى بالروح الوطنية، وأن هذا الحراك يضر بالدينار الأردني وقوته الشرائية، الخ.
والحقيقة أن هذه العشر دنانير أو العشرين إذا كانت حقاً فللإنسان حق المطالبة بها، فضلاً عن القيمة التي يتحدثون بها، أما ربط مطالب الأسانذة بقضايا المال ففيه تشويه لصورة الأسانذة والعملية التعليمية في الجزائر، وهي قضية حساسة تهين العملية التعليمية برمتها وتصيبها بمقتل في رسالة المهنة التي يقومون، وعلى من يدلي بهذا الطرح أن يبين قدرته في التحلي بالمسؤولية الإعلامية وأبعاد ألفاظه في تولي منابر الإعلام وتوجيه الرأي العام تجاه قضايا التعليم ورفعته وتجنب هذا الطرح اللا أخلاقي في التناول والبسط على الطاولة، وتحويل الأسانذة إلى قطعان من الجياع والفقراء ما لبثت بأن تتاح لها الفرصة.
إذا كان الموضوع حقيقة قائم على عجز في الموازنة، وأن الحكومة لا تستطيع ذلك فلماذا لا تعيد النظر في موازنات الوزارات الأخرى؟ والذي حققت وفراً قدره نصف مليون دينار تقريباً، والذي يجسد نموذجاً اليوم في نظافة اليد المسؤولة، ويطرح كثير من التساؤلات على إهدار المال العام، وهذا واضح لكل ذي لب.
إذا كان الموضوع حقيقة قائم على العجز في الموازنة فلماذا لا تعلن الحكومة برنامجاً تقشفياً في المياومات والرحلات الخارجية لاسيما عالية التكاليف منها -على سبيل المثال لا الحصر- أم أن هذه الحقوق مكتسبة لا يجوز المساس بها وحقوق الأسانذة غير شرعية!
أما موضوع الوطنية والمواطنة فليبيع هؤلاء موضوعاً غيره؛ لأنه بات مستهلكاً ومثير للاشمئزاز، ويبدو ذلك في رفع أسعار الاستهلاك ، حيث أن هذه السلطة ولا المسؤول عن إقرار هذه الزيادة -التي قد يكون لها مبرراتها-
أما قيمة الدينار فهي قضية مستهجنة وبعيدة كل البعد عن هذا، وإذا كان البعض حريصاً على الجزائر بهذا الشأن فلماذا لا يكشف المسؤولون عن تدني القيمة الشرائية للدينار الجزائري من حيث الأصل في العقدين الماضيين، ويكشف أسباب ذلك بكل وضوح وشفافية.. إذا كنا نتحدث عن دولة القانون، ووضع المتسيبين أمام مسؤولياتهم التي ارتضوا مغانمها ويرفضون مغارمها.
إن وسم حراك الأساتذة بحقوقهم بهذه الطريقة فيه تشويه لصورة المعلم والتعليم في الجزائر، و في بناء اقتصاد المعرفة وعلميات التنمية المستدامة، والذي ينعكس في تصدير الكفاءات إلى دول الجوار والتعليم جزء مهم من هذا النسيج، وفي ظل حرمان المعلم من حقوقه المشروعة يعبر عن احتجاجه والسعي لنيل حقوقه بالأعراف الديمقراطية السائدة وفق نموذج حضاري، نجد من يسعى لإجهاضه تحت لافتات متعددة.