السلام عليكم
يقول الإمام الشيخ محمد بشير الإبراهيمي في (عيون البصائر):" غاية الغايات من التربية– هي توحيدُ النشء الجديد في أفكاره ومشاربه، وضبط نوازعه المضطربة، وتصحيح نظراته إلى الحياة، ونقلُهُ من ذلك المُضْطَرَبْ الفكري الضيّق الذي وضعه فيه مجتمعه- إلى مضطرب أوسَعَ منه دائرةً، وأرْحَبَ أُفُقًا، وأصحَّ أساَسًا، فإذا تمّ ذلك وانتهى إلى مدَاهُ طَمِعْنَا أن تُخْرِجَ لنا المدرسة جيلاً متلاَئِمَ الأذواق، متَّحِدَ المشارب، مضبوطَ النزعاَت، يَنْظُرُ إلى الحياة- كما هي- نظرةً واحدةً، ويَسْعَى في طلبها بإرادة متحدة، ويعملُ لمصلحة الدين والوطن بقوة واحدة، في اتجاهٍ واحدٍ".
- "غاية التعليم هي تفقيهه في دينه ولغته، وتعريفه بنفسه لمعرفة تاريخه، تلك الأصول التي جَهِلَهَا آبَاؤُهُ فشَقُوا بجهلها، وأصبحوا غُربَاءَ في العالم، مقطوعين عنه، لم يعرفوا أنفسهم فلم يعرفهم أحدٌ.."
1- المادة العلمية:
اهتم الإبراهيمي بالمادة العلمية التي تتضمنها الكتب والمصنفات ويسعى إلى تحصيلها طلاب العلم، كما يسعى إلى بثها المعلمون.
ففي نصيحة إلى طلاب العلم يبين الإبراهيمي صفات ومضمون المادة العلمية التي يجب ان يتلقاها طالب العلم والمتمثلة في :
- أصالة المادة العلمية. بالاعتماد على ما صح وثبت بالدليل والابتعاد عن القشور ومما لا فائدة من ورائه.
- الاعتماد على اللغة العربية كأساس في التربية والتعليم، ولا ينافي تعلم اللغات الأخرى.
- مسايرة العصر في التعليم من حيث النظام والقوة والفعالية.
- حفظ القرآن الكريم لأنه أساس العلوم كلها.
- الكتب السهلة المبسوطة.
- تنوع المادة العلمية من المعارف العامة كالتاريخ والأدب والحكمة والخلاق والتربية و الرياضيات والطبيعيات.
2- المعلم:
اهتم الشيخ بالمعلم وأولاه عناية خاصة على المستوى النظري والعملي كيف لا وهو الواسطة الضرورية لنقل العلم إلى عقل الطالب وقلبه، وهو الرائد الأصيل والموجه الحكيم في تربية الأجيال وصناعة الرجال وتخريج القادة، والدفاع عن الهوية.
ففي لقاء جمع الشيخ بمعلمي جمعية العلماء المسلمين يخاطبهم قائلا:« أي أبنائي المعلمين، إنكم في زمن كراسي المعلمين فيه أجدى على الأمم من عروش الملوك، وأعود عليها بالخير والمنفعة، وكراسي المعلمين فيه امنع جانبا واعز قبيلا من عروش الملوك، فكم عصفت العواصف الفكرية بالعروش، ولكنها لم تعصف يوما بكراسي المعلم» (آثار محمد البشير الإبراهيمي ج3).
وينبه الإبراهيمي إلى المسؤولية الخطيرة التي يتحملها المعلمون، فهم مسؤولون عن النمو الفكري والتهذيب النفسي للناشئة وهم مسؤولون من جهة أخرى عما يصيب أبناء الأمة من زيغ فكري وعقائدي،
فموقعهم في المجتمع خطير لا يجوز فيه التقصير أو الخطأ، ويشبه وظيفة المعلم بوظيفة الطبيب بل إن مسؤولية المعلم أشد وأقوى، لأن الخطأ الذي قد يقع فيه الطبيب لا يتعدى فردا أو فردين، أما الخطأ الذي يقع فيه المعلم فإن أثره يتعدى جيلا بأكمله.
يقول الإبراهيمي:« إن التقصير في الواجب يعد جريمة من جميع الناس، ولكنا في حقنا يضاعف مرتين، فيعد جريمتين، لأن المقصر في غيرنا لا يعدم جابرا أو عاذرا، فقد يغطي تقصيره عمل قومه، أو حكومته.. أما نحن فحالنا حال اليتيم الضائع الجائع، إذا لم يسع بنفسه مات، فإذا قصرنا في العمل لأنفسنا ولما ينفع أمتنا ويرفعا فمن ذا يعمل لها؟..»( آثار محمد البشير الإبراهيمي ج2) .
علامات المعلم الحق:
وللمعلم المتحقق بالعلم عند الإبراهيمي شروط وعلامات تؤهله للتدريس وأداء مسؤوليته على أكمل وجه، من هذه الشروط ما يتعلق بذاته، ومنها ما يتعلق بطلبته وتلاميذه.
أولا: الشروط والعلامات الذاتية:
- التحلي بالتقوى وإخلاص العمل لله .فهي « العدة في الشدائد والعون في الملمات وهي مهبط الروح والطمانينة وهي متنزل الصبر والسكينة وهي مبعث القوة واليقين، وهي معراج السمو إلى السماء وهي التي تثبت القدام في المزالق، وتربط على القلوب في الفتن».
- الإيمان العميق بشرف العلم والتعلم والتعليم.
- العمل بما علم: حتى يكون قوله مطابقا لفعله، فإن كان مخالفا له فليس بأهل لأن يؤخذ منه ولا أن يقتدى به في علم. «لأن المعلم –كما يقول الإبراهيمي- لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان هو فاضلا، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان صالحا، فهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين».( آثار محمد البشير الإبراهيمي ج3).
- ضرورة الاستزادة من العلم: بإكثار القراءة والمطالعة والبحث والتقصي والاستفادة من الجديد فمن النصائح التي كان يوجهها للطلبة والمعلمين« .. وإن التعليم لأحدى طرق العلم للمعلم قبل المتعلم، إذا عرف كيف يصرف مواهبه، وكيف يستزيد وكيف يستفيد، وكيف ينفذ من قضية إلى قضية، وكيف يخرج من باب إلى باب، فاعرِفوا كيف تدخلون من باب التعليم إلى العلم، ومن مدخل القراءة إلى الفهم، وتوسعوا في المطالعة يتسع الاطلاع.»( آثار محمد البشير الإبراهيمي ج2).
- الصبر على المكاره، والثبات في الشدائد والأزمات.
ثانيا : شروطه مع تلاميذه:
- الشفقة على المتعلمين والتحبب إليهم، ورعاية الأطفال وسياستهم بالرفق والإحسان، باللين والتواضع، ومساعدتهم على قضاء حوائجهم إن كان ذلك باستطاعته، فهم بالنسبة إليه كالأولاد مع آبائهم. حيث يقول:« فواجب المربي الحاذق المخلص إذا أراد أن يصل إلى نفوسهم من أقرب طريق، وأن يصلح نزعاتهم بأيسر كلفة، وان يحملهم على طاعته وامتثال أمره بأسهل وسيلة، هو أن: يتحبب إليهم ويقابلهم بوجه متهلل، ويبادلهم التحية بأحسن منها، ويسائلهم عن أحوالهم باهتمام، ويضاحكهم ويحادثهم بلطف وبشاشة، ويبسط لهم الآمال ويظهر لهم العطف، ما يحملهم على محبته»( آثار محمد البشير الإبراهيمي ج3).
- دراسة ميول الأطفال ونفسياتهم ويكون المعلم بينهم كأخ كبير لهم يفيض عليهم عطفه، ويوزع عليهم بشاشته، ويزرع بينهم نصائحه.
- اتخاذ أسلوب الترغيب في سياسة الأطفال ورعايتهم بدل أسلوب الترهيب ، لأن الأول إيجابي وأثره باق، والثاني سلبي وأثره موقوت، لأنه يعتمد على الخوف ويربي الجبن خاصة في المراحل الأولى للطفولة، يقول الإبراهيمي:« ليحذر المعلمون الكرام من سلوك تلك الطريقة العنيفة التي كانت شائعة بين معلمي القرآن، وهي أخذ الأطفال بالقسوة والترهيب في حفظ القرآن، فإن تلك الطريقة هي التي أفسدت الجيل وغرست فيه رذائل مهلكة.»( آثار محمد البشير الإبراهيمي ج3)