السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
هناك الكثير من المعلمين و المعلمات يحرصون في بداية كل سنة دراسية على معرفة التلاميد الايتام , حتى يعطونهم نصيبا أوفر من اهتمامهم و حنانهم ، فلا يكاد أحدنا يرى طفلاً يتيماً إلا ويرق له قلبه وتنبعث بداخله رغبة صادقة فى مساندته والبذل له، تأثراً بما ألمّ به من مصيبة اليتم وفقد العائل، وقد نتفاعل بما يسمح به الموقف مع اليتيم فى صورة عطاء مادي أو ضمة حانية أو مسحة على رأسه...إلى هذا الحد تسير الأمور بشكلها الطبيعي الذي أراده الله تعالى منّا: طفل يتيم ومسلم كبير يحنو عليه ويحاول أن يجبر ذلك الإنكسار اللازم فى قلبه فى موقف عابر أو متعمد ولكنه غير دائم، أما إذا أسعد الله بيتاً من بيوت المسلمين بنشأة يتيم أو أكثر ليقيم ويتربى فيه فإن المسئولية تصير كبيرة على كافل اليتيم ومربيه.
هناك الكثير من الاسر التي من الله عليها بيتيم لتربيته و رعايته فيكون لزاما عليها الجمع بين الحنان المتوازن الدي لا يصل الى درجة التدليل والحزم في بعض الاحيان و الدي تقتضيه التربية الصحيحة .
وذلك لأن المربي القائم بأمر اليتيم- سواء كان من قرابته أو مسؤول بكفالته عليه أن يحقق فى تربيته المعادلة الصعبة والتى تتمثل فى الجمع بين الحنان والحزم، فالطفل اليتيم لا يحتاج إلى توفير الإشباع المادى والعاطفي والإحساس بالأمن فقط، ولكنه يحتاج –فى الوقت نفسه- للتوجيه والتهذيب والتربية الحازمة المنضبطة , التي تجعل منه شخصية سوية يتمكن بها من التوافق الإجتماعي الجيد والعيش بصورة طبيعية وسط أقرانه .
فهناك فرق بين الترفق باليتيم والإحسان إليه، وعدم التعامل معه بالقسوة أو الإهانة - وهو الأصل الذى أمرنا الله تعالى به فى معاملة اليتيم- وبين تنشئته على التدليل، والتراخي فى أمره ونهيه، أوعدم زجره عن الأخطاء التي قد يقع فيها أثناء طفولته.
تأديب الطفل اليتيم من صميم الإحسان إليه، ولا تكتمل تربيته إلا بتأديبه وتهذيبه، فلا يكون التساهل في وضع الضوابط للطفل اليتيم وإلزامه بها أبداً هو المرادف الصحيح للإحسان إليه.
إن من حق اليتيم أن يتلقى حظه من التربية المتوازنة السليمة، لأن اليتيم غالباً يعامل معاملة فيها تساهل وإفساد والواجب معاملته كالإبن تماماً في التربية والتقويم.
والسنة النبوية المباركة وتطبيقات الصحابة الكرام عليهم رضوان الله تعالى عامرة بالنماذج التي تبرهن على تكامل رؤيتهم لتربية اليتيم بحسن تأديبه وتهذيبه كالولد تماماً، فقد أشار السلف الصالح إلى تأديب اليتيم بالضرب، رغم عنايتهم الفائقة به، فقد سئل ابن سيرين عن ضرب اليتيم، فقال: " اصنع به ما تصنع بولدك، اضربه ما تضرب ولدك" رواه البخاري، وقد قال العلماء: " اليتيم يؤدب ويُضرب ضرباً خفيفاً " .
وفي هذه الآثار دلالة على جواز تأديب اليتيم بالعقاب العادل؛ وقد لوحظ تردد الكثير ممن يقومون بتربية الأيتام فى توجيه العقاب المناسب لهم ردعاً وزجراً عن الخطأ،وذلك خشية الوقوع في الإثم، فهم يظنون عدم جواز ذلك، وقد تبين لنا أن العقاب من خلال الآثار السابقة جائز ما دام عادلاً ومنضبطاً. فاليتم الذي ابتلى به هذا الطفل لا يعد مبرراً للتوسع في تدليله وعدم الحزم معه في مواطن الحزم، بل يعامل من هذا الجانب مثل أي طفل حتى تستقيم نفسه ولا يتولد عنده شعور بأن يتمه أصبح ميزة تكفل له التدليل والتساهل في التربية ممن يحيطون به أو ممن يقوم على أمره.