قال الله تعالى :
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ( الأنفال - 46)
قال شيخ المفسرين الطبري :
{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } يَقُول : وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَفَرَّقُوا وَتَخْتَلِف قُلُوبكُمْ فَتَفْشَلُوا , يَقُول : فَتَضْعُفُوا وَتَجْبُنُوا , { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } وَتَذْهَب قُوَّتكُمْ وَبَأْسكُمْ فَتَضْعُفُوا , وَيَدْخُلكُمْ الْوَهَن وَالْخَلَل .
انتهى من (جامع البيان)
قال العلامة السعدي :
{ وَلا تَنَازَعُوا } تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها، { فَتَفْشَلُوا } أي: تجبنوا { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } أي: تنحل عزائمكم، وتفرق قوتكم، ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة اللّه ورسوله.
انتهى من (تيسير الكريم الرحمن)
وقد قال تعالى في صفة الكفَّار : { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى } [ الحشر : 14 ] ، وإنما تتحد عزائم المسلم لأنهم كلَّهم يجمعهم التبرِّي مِنْ حوْلِهم وقُوَّتهم ، ويتمحضون في رجوعهم إلى الله ، وشهودهم التقدير ، فيتحدون في هذه الحالة الواحدة .
ولمّا كان التنازع من شأنه أن ينشأ عن اختلاف الآراء ، فبسَطَ القرآن القولَ فيه ببيان سيّىءِ آثاره ، فجاء بالتفريع بالفاء في قوله : { فتفشلوا وتذهب ريحكم } فحذّرهم أمرين معلوماً سوءُ مَغبتهما : وهما
1 - الفشلَ
2 - وذهاب الريح .
1 - الفشل :
انحطاط القوة وقد تقدّم آنفاً عند قوله : { ولو أراكهم كثيراً لفشلتم } [ الأنفال : 43 ] وهو هنا مراد به حقيقة الفشل في خصوص القتال ومدافعة العدوّ ، ويصحّ أن يكون تمثيلاً لحال المتقاعس عن القتال بحال من خارت قوته وفشلت أعضاؤه ، في انعدام إقدامه على العمل . وإنّما كان التنازع مفضياً إلى الفشل؛ لأنّه يثير التغاضب ويزيل التعاون بين القوم ، ويحدث فيهم أن يتربّص بعضهم ببعض الدوائرَ ، فيَحدث في نفوسهم الإشتغال باتّقاء بعضهم بعضاً ، وتوقع عدم إلفاء النصير عند مآزق القتال ، فيصرف الأمّة عن التوجّه إلى شغل واحد فيما فيه نفع جميعهم ، ويصرف الجيش عن الإقدام على أعدائهم ، فيتمكّن منهم العدوّ ، كما قال في سورة [ آل عمران : 152 ] { حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم }
2 - والريح
حقيقتها تحرّك الهواء وتموّجه ، واستعيرت هنا للغلبة ، وأحسب أنّ وجه الشبه في هذه الاستعارة هو أنّ الريح لا يمانع جَريها ولا عملَها شيء فشبه بها الغلب والحكم
والمعنى : وتَزولَ قوتكم ونفوذُ أمركم ، وذلك لأنّ التنازع يفضي إلى التفرّق ، وهو يوهن أمر الأمّة ، كما تقدّم في معنى الفشل .
لابد للطائع أن يبتعد عن التنازع مع إخوته المؤمنين؛ لأن التنازع هو تعاند القوي، أي توجد قوة تعاند قوة أخرى، والقوى المتعاندة تهدر طاقة بعضها البعض، فالتعاند بين قوتين يهدر طاقة كل منهما فتصبح كل قوة ضعيفة وغير مؤثرة. فكونوا يداً واحدة؛ لأنكم إن تنازعتم فستضيع قوتكم وتقابلون الفشل، أي لن تحققوا شيئاً مما تريدون لأنكم أهدرتم قوتكم في التنازع، ولم تعد لكم قوة تحققون بها ما تريدون وستذهب ريحكم في هذه الحالة. والفشل هو إخفاق الإنسان دون المهمة التي كان يرجوها من نفسه.