هل يمكن أن تتصوروا معي محاولة إقامة بناءة ما أو عمارة فخمة وشامخة دون امتلاك لصورة أو تصميم واضحين لها ؟
الإجابة طبعا ستكون بالنفي, فإذا كان هذا هو الحال بالنسبة لهذا المثال، فكيف هو الحال بالنسبة لبناء وصنع إنسان ومجتمع الحضارة ؟
فلا شك أن نوع النظام التربوي الذي يختاره و يضعه المجتمع لأفراده ظل دائما عبر تاريخ تجارب الأمم والدول مرتبطا بالصورة المثلى"الأفضل" التي يرسمها المجتمع لنفسه في المستقبل فكلما كانت تلك الصورة على درجة معينة من الوضوح و الكمال انعكس ذلك على نظام تربيته وتعليمه والعكس بالعكس .
فمنطق التجربة التاريخية إذن قد أكد لنا بما لا يدع مجالا للشك الاقتران والارتباط الضروري بين الوعي التربوي والوعي الحضاري قوة وضعفا، فكلما طلع وظهر هذا الأخير برز ولاح معه الأول والعكس بالعكس.
انطلاقا من هذه القاعدة "السنة" الكونية التاريخية بماذا يمكننا أن نفسر عجز أو فشل أغلب الأنظمة التربوية في العام العربي والإسلامي إن لم نقل كلها، في بناء وصناعة إنسان ومجتمع الحضارة بالمقارنة مع أنظمة تربوية معاصرة لأمم حديثة الإقلاع وقليلة الإمكانات كاليابان وكرويا الجنوبية ..؟
هل لأن هذه الأنظمة التربوية لم تكن منبثقة عن وعي حضاري حقيقي وكانت مجرد محاولات وتجارب عشوائية أحيانا ومقلدة أحيانا أخرى؟ أم لأنها كانت تعوزها الإمكانات؟ أم لأنها كانت مفروضة فرضا من طرف بعض النخب المزيفة و أنصاف المثقفين الذين يصدق
عليهم المثل الدارج القائل : العمشة في ابلاد العميان كحلة لرماق" بفتح اللام وسكون الراء .أي العينين" ؟
يتبع ..
شرح المصطلحات والمفاهيم :
الوعي الحضاري: إدراك جماعي لما يجب أن يكون عليه الإنسان والمجتمع في المستقبل من الأفضل."أي : مواصفات الإنسان والمجتمع المنشود مستقبلا "
الوعي التربوي: نوعية النظام التربوي المنشود.: