تعريف الرمز:
في اللغة: الإشارة والإيماء.
أما في الاصطلاح فهو " كل إشارة أو علامة محسوسة، تذكِّر بشيء غير حاضر" (2). فيُفهم من ذلك أن الرمز عبارة عن إشارة تومئ من طرف خفي إلى أمور لا يريد أن يذكرها الأديب صراحة؛ لغرض في نفسه، أو أن لغته لا تقوى على أدائها.
الرمز في النصوص المقدّسة:
1-القرآن الكريم:
دائماً ما ينهل الأديب المسلم من القرآن الكريم دروساً، ونماذج يستفيد منها في كتابته الإبداعية؛ وذلك أمر طبيعي، لما نعلمه يقيناً بأن القرآن الكريم أساس البلاغة، ولا يزال العرب يكتشفون أسراره وفصاحته.
فقد رمز القرآن في مواضع مختلفة لأمور لم يصرِّح بها، وسأذكر هنا بشكل سريع بعضاً منها، إذ ليس هنا موضع التفصيل:
1. قوله تعالى: (وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ).(سورة البقرة: 179)
2. قوله تعالى: (خُذِ العَفْو وَأْمُرْ بالعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِيْن).(سورة الأعراف: 199)
2-السنة النبوية:
وكما يستقي الأديب المسلم من القرآن، فإنه يستفيد من أحاديث رسول الله محمد (ص)، الذي يقول عن نفسه: (أُوْتِيْتُ جَوَامِعَ الكَلِم)، فقد أتى حديثه عربياً رصيناً، وهو النبي الأميّ، نجده في أحاديثه يرمز في جملة لأمور عدة، ومما قاله :
1. قال : (لا تَسْتَضِيْئُوا بِنَارِ المُشْرِكِين).
2. وقوله : (إِيّاكُمْ وَخَضْرَاءُ الدِمَنْ).
أنواع الرمز:
تتباين الرموز، وتختلف كتباين استخدام الأدباء لها، وبحسب حاجتهم، ومن هذه الأنواع:
1. رمز تأريخي (توظيف التراث):
ومما يدخل في هذا النوع، استدعاء الشخصيات التراثية الإسلامية؛ فالشخصية التراثية في النسيج الشعري ليست تأريخاً يروى، وليست سيرة يحكيها الشاعر، وإنما استدعاؤها يكون في إطار شعري غير محدد بأسوار التأريخ. وقد يقتصر هذا الاستدعاء على رصد بُعدٍ واحد من أبعاد الشخصية، مثل البعد السياسي أو الاجتماعي، وقد يتجاوز هذا البعد إلى الرؤية الشمولية للشخصية كلها، وقد يخاطب الشاعر الشخصية من الخارج ولا يتوغّل في أعماقها، وهذا النوع مليء به.
والأمثلة في ذلك كثيرة،
2. الرمز الديني:
وهو إما اقتباس أو تضمين لآية قرآنية أو حديث شريف، يستدعيه الشاعر لحاجة في نفسه، تختلف من شاعر لآخر حسب ما يقتضيه نصه الشعري. فعندما أراد الشعراء التعبير عن أزمة ما تعصف بمجتمعهم أو كيانهم، اختار بعض منهم أن يتكئ على بعد ديني مقدّس في شعره، ليطلّ من خلاله على ما يريد قوله، موظِّفاً لذلك لفظة تُحسب على هذا النص الديني، أو رمزاً يُنسب إليه، أو إحالة تجد مساحتها الخصبة فيه ومنه.
هذا الأخذ من النص الشرعي، لم يكن وليد هؤلاء الشعراء آنذاك، إنما تتناثر جذوره عميقاً في التأريخ العربي والعالمي على السواء، إذ كان الشعر يتلبّس الدين للخروج إلى مساحات أوسع من الواقع المباشر إلى مسافة تمتدّ بين الأرض والسماء، كما أن الدين كان يجد حضوره الخصب أحياناً، في التعبير الشعري.
ممن استفاد من هذا الرمز، الشاعر (د. وليد قصّاب) في قصيدته: إبليس في دم آدم، فقد استدعى الحديث النبوي: (إن الشيطان ليجري من أحدكم مجرى الدم في العروق). إضافة إلى القصة القرآنية التي وردت عن إنزال إبليس لآدم -عليه السلام- من الجنة 1)
يقول: لا مـهرب مــني، ولا وزر ** لن تملك الدهر من كفّيّ منعتقا
جريت فيك خلال الجسم منسربــاً ** وفي عروقك كنت الماء مندفقا
3. الرمز السياسي:
وأكثر ما يمثّل هذا النوع –مما قرأت- قصيدة (اللعين الأول)، للشاعر (محمد المجذوب)، فهي قصيدة رمزية أكثر من رائعة، يتحدث فيها الشاعر عن شخصٍ مكروه من الجميع، ويرمز إلى عمله، بأنه حفّار للقبور، يدفن الموتى من الحرية، والفضيلة، والأمن، إضافة إلى أصحابها الأبطال، فهو لا يدفنهم فقط، بل يجرّدهم قبل ذلك مما يسترهم 1)
كان جوان –ليته لم يـكن- ** يـــزاول الدفن بإحدى المدن
وكان كل الناس يكرهـونه ** لغير ذنب غير ما يحكـونه
من كونـه يجـرّد الأمـواتَ ** من كل شيء يستر الرفاتا
وهذه القصيدة تعدّ من الرموز المركّبة؛ فكل أبياتها تعتمد على الرمز، إضافة إلى ذلك فإن الشاعر (المجذوب)، عندما نشرها ذيّلها بـ(الشاعر المجهول)؛ خوفاً على نفسه من الملاعين –كما سمّاهم_ المنتشرين في الوطن العربي، وكابتين أنفاس شعوبهم، فالقصيدة تمسّ الوتر الحسّاس لدى الحكّام الخونة القامعين.
4. الرمز الخاص (الذاتي):
وهذا النوع يختلف عن سابقيه؛ لأن الشاعر يرمز إما لحالة نفسية يعايشها، أو رمز خاص به؛ لذلك قد لا يفهمه القارئ، أو الناقد لغموضه، وخلوّه من التداعيات الواضحة، التي تجلو هذا الغموض.
سمات الرمز في الأدب الملتزم 1)
إذن، فالأدب الملتزم ينبغي ألا ينحصر في موضوعات التأريخ الإسلامي وحده، ويفترض ألا يكون مباشراً ووعظياً؛ لأنّه في هذه الحالة سيتساوى مع الخطب والمقالات. وأصدق الفن ـ كما هو معروف ـ هو ذلك الذي يعبّر عن رسالته من خلال الرمز والتلميح، لا التشهير والتصريح. فلا نعجب إذا رأينا عملاً فنياً، رواية كانت أو مسرحية مثلاً، تدور أحداثها في عصر سابق للإسلام،و لا ترد خلالها إشارة للإسلام من قريب أو من بعيد، ثم تجدها بعد ذلك منبثقة من صميم التصوّر الإسلامي للإنسان والحياة والكون.
والرمز كما فهمه القدماء هو الارتفاع بمستوى الأداء الأدبي عن المباشرة حتى لا يكون شيئاً مبتذلاً بين النَّاس، ويحتاج من الآخر أن يبذل جهداً حتى يفهم، لكنَّ هذا الجهد المبذول له ضوابط، فلا يكون جهداً ضخماً مع حصيلة لا قيمة لها، لا بد أن يكون العمل نفسه له قيمة كبيرة تستحق الجهد المبذول في تحصيلها.
ملاحظة الموضوع منقول