السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حاجة كل منا وحاجة الإنسان عامة إلى الصاحب والحبيب من الحاجات الأساسية والمطالب النفسية التي لا تنكر حتى يتمكن من قطع مسيرته في هذه الحياة، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، فإن إخوان الصدق زينة في الرخاء وعصمة في البلاء، فإن رؤيتهم تفرح القلب وتريح النفس وتزيل الغم.
وصدق عمر رضي الله عنه إذ يقول: لقاء الإخوان جلاء الأحزان.
وقال بعض السلف: روح العاقل في لقاء الإخوان.
وسئل سفيان رحمه الله: ما ماء العيش؟ قال: لقاء الإخوان.
وقيل لمحمد بن المنكدر: ما بقي من لذتك؟ قال: التقاء الإخوان وإدخال السرور عليهم.
وقيل لبعض الحكماء: ما العيش؟ قال: إقبال الزمان، وعز السلطان، وكثرة الإخوان.
وقيل: حلية المرء كثرة إخوانه.
ورحم الله الحسن إذ يقول: إخواننا أحب إلينا من أهلينا، إخواننا يذكروننا بالآخرة، وأهلونا يذكروننا بالدنيا.
وأي طعم للحياة بدون الأحبة؟! وما أرق قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لابنه الحسن: يا بني، الغريب من ليس له حبيب.
وقال بعض الشعراء:
وكنتُ إذا الصديقُ نَبَا بأمري *** وأشْرَقني على حنقِ بَريقِي
غفرتُ ذُنوبَه وكظمتُ غيظِي *** مخافةَ أن أعِيشَ بلا صديق
وقال بعض الأدباء: أفضل الذخائر أخ وفيٌّ.
وقال بعض البلغاء: صديق مساعد عضد وساعد.
وقال بعض الشعراء:
هموم رجالٍ في أمورٍ كثيرةٍ *** وهمَّي من الدنيا صديقٌ مساعِدُ
نكونُ كروحٍ بين جسمين قُسَّمَت *** فجسماهما جسمان، والروح واحد
قال الكندي: الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك.
وقد قالت الحكماء: رب صديق أود من شقيق.
وقال ابن المعتز: القريب بعداوته بعيد، والبعيد بمودته قريب.
وقال الشاعر:
يَخُونك ذو القرْبَى مِرارًا وربما *** وَفّى لك عندَ العهْدِ من لا تُناسِبُه
ولذا قال خالد بن صفوان: إن أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.
وقال بعض الحكماء: من لم يرغب في الإخوان بُلِيَ بالعداوة والخذلان، ولعمري إن إخوان الصدق من أنفس الذخائر وأفضل العدد.
فبإخوان الصدق تحلو الحياة؛ بسماع حديثهم ورؤية وجوههم واللصوق بهم، وبهم تذلل الصعاب وتخف المشاق وتهون الشدائد. وصدق ابن المعتز إذ يقول: من اتخذ إخوانًا كانوا له أعوانًا.
وما أصدق هذا الكلام إذا تأملناه في أيامنا هذه، من الذي يعينني على الالتزام بالدين؟ من الذي يعينني على فعل الطاعة وترك المعصية؟ من الذي يعينني على الدعوة والثبات؟ من الذي أستريح بعرض مشاكلي عليه وأطمئن بوقوفه إلى جانبي؟ ومن الذي يخفف عليّ النكبات ويدخل عليّ السرور، ويؤثر فيَّ بالقدوة والكلمة؟!
قال سفيان رحمه الله: لربما لقيت الأخ من إخواني فأقيم شهرًا عاقلاً بلقائه.
وقال أحدهم:
صافِ الكرامَ إذا أردتَ إخاءَهُم *** واعْلمْ بأن أخَا الحفَاظِ أخُوكا
كَم إِخْوة لك لم يَلِدْكَ أبوهم *** وكأنما آباؤهُم ولدُوكا