السلام عليكم
حكايتان والفرق بينهما شاسع
الحكاية الأولى : كنت جالساً مع أفراد أسرتي في غرفة خاصة في مطعم مرموق في عاصمة عربية ، وإذا بنا نسمع من الغرفة المجاورة صوت صحن أو كأس وقع على الأرض ، والظاهر أنه انكسر ، وإذا بنا نسمع أصوات ضربات متوالية وصوت طفل صغير يبكي ويشهق ، فتأثرنا لهذا غاية التأثر إلى درجة أن بعض بناتي صرن يبكين تعاطفاً مع الطفل والأم المسكينة تحاول إسكات الصغير حتى لا تتطور الأمور إلى الأسوأ ، وطلبت الأسرة الحساب بسرعة ، وخرجت من المطعم ، فإذا بنا بطفلة ، عمرها أقل من ثلاث سنوات ، أما الأب الذي بطش بها فقد كان فارغ القامة ضخم الجثة ...!!
الحكاية الثانية : كنت أنا وزوجتي في منتزه في ماليزيا ، وكان إلى جوارنا أسرة غربية لا أعرف من أي بلد قدمت ، وقد قام أحد أطفالها بتحريك الطاولة التي أمامهم فأدى ذلك إلى كسر عدد من الصحون والكؤوس فارتاع الطفل ، وإذا بوالدة الطفل تحتضنه وتقبله، وتقول لمن حولها : لا عليكم هو بخير ..!!
أخى المربي..
إنّ تربية الأبناء أشبه بإدارة العمليات الصعبة في فترات الحروب، تحتاج إلى الرجل الفطن الصبور ، وإنّ كثيراً من الآباء والأمهات يقدمون على الإنجاب دون أهلية لا يملكون الثقافة التربوية التي تمكنهم من تربية أبنائهم على الوجه المطلوب، ولا يملكون من الخصائص النفسية ما يساعدهم على تحمل أعباء التربية، وهي أعباء كبيرة جداً .
وقد يظنون أن واجبهم تجاه أبنائهم شبيه بواجب مُربي الماشية : حظيرة وعلف وماء ، ولا شيء بعد ذلك ! هؤلاء يقدمون للأمة جيلاً معوقاً ومشوهاً ذهنياً ونفسياً ، حيث أفادنا "حديث القصعة" أنّ مشكلة الأمة في آخر الزمان ليست مشكلة أعداد، وإنما مشكلة نوعية : " أنتم يومئذ كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل " . (د.عبد الكريم بكار:مقالة:"آباء وآباء"،موقع د.عبد الكريم بكار على شبكة الانترنت)
أخطاء خطيرة
*عدم مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء: قد يكون هناك تفاوت واختلاف في الملكات والقدرات بين الأطفال حتى وغن كانوا أشقاء، وفي هذه الحالة يلزم الآباء مراعاة هذه الفروق بينهم ومعاملة كل طفل بما يتناسب مع شخصيته وميوله وقدراته.
يقول بن عبد البر :" تبقى حال الطفل ماثلة أمام المربي حين تربيته ، كما تتجلى حال المريض أمام الطبيب حين معالجته ، يراعي حالته ومقدرته ومزاجه فيكون أثر التربية أتم وأعظم ثمرة ". (ابن عبد البرّ:جامع بيان العلم وفضله)
*السماح للدخلاء بالاشتراك في التربية: البعض من الآباء والأمهات لا يحكمون السيطرة على عملية التربية؛ فيتركون الثغرات التي تسمح بدخول عناصر وأشخاص آخرين يشاركونهم في تربية أبنائهم، مما يعرض الأبناء للكثير من التأثيرات الضارة والتي قد لا تنمحي بسهولة من ذاكرة الطفل بل وتؤثر على جوانب شخصيته المختلفة. مثال ذلك ترك الأبناء أمام الشاشات لتربيهم بدون رقابة أو توجيه؛ فيتربى الطفل علي المناهج الإعلامية السلبية، التي تفرز لنا طفل له توجه كبير نحو العدوان والعنف، أو السماح والترحيب بتدخل الأقارب والجيران أو حتى الخادمة في توجيه الطفل.
ويعتقد سيات Seat :أن تقنية البث الواسع، عندما تقتحم على الإنسان جوّه العائلي الحميم، وتستحوذ عليه خلال وقت فراغه ـ وهو في حالة استرخاء في بيته، فإنها تضيف إلى وسائلها سطوة إضافية. وذلك لأن التلفزيون - كما يقول الفيلسوف الفرنسي باشلر - ينتزعنا من أنفسنا ويفرض نفسه علينا وعلى شخصيتنا.
د. غلين Dr. Glynn التلفاز يقود الكبار إلى مرحلة شفوية تماثل مرحلة طفل تغذّيه أمه، ويلتهم بشراهة كل ما يُقدّم إليه دون أن يبذل أي مجهود، فكيف الحال بالنسبة للطفل الذي يتميز عموماً بقدرة أقل من الراشدين على استخدام إرادته الشخصية؟
ولا ينبغي أن ننسى كذلك قدرة التلفزيون على التكبير والتصغير والحذف والإضافة. وبذا فإنه يفرض على مشاهديه ـ وخاصة الأطفال منهم ـ طريقة معينة لفهم المرئيات.
فقد جاء في دراسة لليونسكو أجريت عام 1974 أن غالبية الدول النامية التي تُوجد بها محطّات تلفزيونية تستورد ما لا يقلّ عن نصف البرامج التي تعرضها، وأن 75% من جملة الواردات العالمية من البرامج التلفزيونية يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية.
تقول الخبيرة التربوية (شيلي هيرولد):"ينتاب الأطفال الارتباك والحيرة حين يقوم على رعايتهم سلسلة من الأشخاص متضاربين في أسلوب تفكيرهم فلا يستوعب الأطفال بشكل واضح ماذا يفعلون ولا كيف يستجيبون للأمور ولا كيف يرضون شخصاً ناضجاً. وإن الاستقرار الناجم عن قيام شخص واحد بتقديم الرعاية للطفل يدعم الثقة والأمان والتناغم والحب.
لذلك يجب أن يبقى زمام التربية بيد الوالدين فقط لأنهما المسؤولين عن ولدهما أمام الله تعالى،قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله سائل كل راعٍ عمّا استرعاه حفظ أم ضيّع ؟"
- التذبذب في أسلوب التعامل مع الطفل : فالطفل يحتاج أن يعرف ما هو متوقع منه ، لذلك على الكبار أن يضعوا الأنظمة البسيطة واللوائح المنطقية ويشرحوها للطفل ، ثم يكون هناك ثبات في إلزام الأبناء بتلك القواعد فلا ينبغي أن نتساهل يوما في تطبيق قانون ما ونتجاهله، ثم نعود في اليوم التالي للتأكيد على ضرورة تطبيق نفس القانون بل ونعاقب الطفل المخالف له..!
فهذا التذبذب قد يسبب الإرباك للطفل ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض وفي بعض الحالات تكون الأم ثابتة في جميع الأوقات بينما يكون الأب عكس ذلك ، وهذا التذبذب والاختلاف بين الأبوين يجعل الطفل يقع تحت ضغط نفسي شديد يدفعه لارتكاب الخطأ .
- عدم العدل بين الأبناء : يتعامل الكبار أحيانا مع الأبناء بدون عدل فيفضلون طفلا على طفل ، لذكائه أو جماله أو حسن خلقه الفطري، أو لأنه ذكر، مما يزرع في نفس الطفل الإحساس بالغيرة تجاه إخوته، ويعبر عن هذه الغيرة بالسلوك الخاطئ والعدوانية تجاه الأخ المدلل بهدف الانتقام من الكبار، وهذا الأمر حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :"اتقوا الله واعدلوا في أولادكم". (مقالة أخطاء في التربية: مجلة الأسرة/عدد:101)
- وأخيراً عزيزي المربي.. إنّ تربية الأبناء الحقيقية هي تربية ذلك الكائن المكرم ليكون عبدا لله فيفوز مع الفائزين ويدخل الجنة ويكون سببا لدخول والداه الجنة أيضاً، ثم إعداد الابن ليصنع المستقبل الواعد بيده لنفسه ولأمته..إن شاء الله تعالى.